الشعب السوري يحارب وينضال للحلم في حياة أفضل
منذ 2011 مرت على سوريا 10 أعوام حتى الآن كانت سنوات عِجاف ذاق فيها الشعب السوري كل أنواع الصعاب والآلام وعلى الرغم من ذلك ظل يحارب وينضال من أجل الحلم في حياة أفضل وسط حالة التدهور الاقتصادي في سوريا خاصة مع انهيار الأوضاع الأمنية بالبلاد.
فعلى الرغم من أن الوضع الأمني في البلاد أصبح في السنتين الماضيتين أفضل بكثير مما كان عليه قبل سنوات قليلة، لكن مازال الوضع الاقتصادي متراجع بشكل كبير؛ بل إن عام 2020 كان الأصعب على الاقتصاد السوري وفقًا لما كشفه خبراء الاقتصاد بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا والوضع المتدهور في البلد المجاور لبنان، بالإضافة إلى تفشي فيروس كورونا (كوفيد-19) في أغلب دول العالم.
الأرقام تكشف التدهور الاقتصادي في سوريا
بعد مرور 10 سنوات على انفجار الأوضاع في سوريا والانقسام الكبير الذي حدث وانهيار الوضع الأمني وبالتالي تأثر الاقتصاد والأحوال المعيشية بشكل كبير، أصدرت الأمم المتحدة تقريرًا يكشف عن ما حدث في البلاد.
وفقًا للتقارير الأممية الصادرة فقد ارتفعت نسبة البطالة إلى 78% من عموم الفئة العاملة، وأصبح هناك 9 ملايين سوري عاطل عن العمل في عام 2020، أما غلاء المعيشة فقد كان الأصعب، حيث ازدادت الأسعار خلال ال 10 سنوات الماضية بين 2011 و2020 إلى ما يقارب 14 ضعفًا وسط تفاوت كبير في الأسعار عن البلدان المجاورة، كل ذلك بسبب تدهور الاقتصاد السوري الذي خسر 226 مليار دولار من إجمالي الناتج المحلي بما يعادل 4 أضعاف إجمالي الناتج المحلي عام 2010، بالإضافة إلى دمار 7% من المساكن والمباني والمنشآت العامة كلياً و20% جزئياً.
كما ارتفع معدل الفقر بشكل حادّ خلال ال 10 سنوات الماضية، حيث كان في عام 2011 بنسبة 33% ووصل معدل الفقر في عام 2020 لـ80%، بمعنى أنه أصبح أكثر من 12 مليون سوري يعانون من صعوبة الحياة المعيشية وبحاجة إلى المساعدات الإنسانية والاقتصادية، مثل: الغذاء والمياه والمأوى والصحة والتعليم.
الأمر ذاته ينطبق على الفرص الاستثمارية التي أصبحت أقل من 5% في عام 2020، ما أدى إلى توقف التجارة بشكل كبير وتكبدت الصناعات المختلفة في سوريا خسائر فادحة أدت إلى توقفها في النهاية، وبالتالي توقف أيضًا التبادل التجاري مع الدول المجاورة وسادت حالة من الركود التجاري وسط انهيار عام في الاقتصاد.
كل تلك التأثيرات ظهرت نتائجها على الليرة السورية التي سقطت بشكل مدوي أمام الدولار خلال السنوات الماضية، حيث كان سعر الدولار سابقا يعادل حوالي 50 ليرة سورية، ثم دخلت في مسلسل من الانهيار وارتفعت قيمة الدولار أمام الليرة السورية بشكل خيالي حتى وصل العام الماضي 2020 سعر الدولار ما يقارب 2600 ليرة سورية، وهو ما كان بمثابة صدمة كبيرة للاقتصاد والشعب السوري.
الاقتصاد السوري وارتباطه المباشر باقتصاد بلبنان
كل تلك النتائج المأساوية التي حدثت على مدار 10 سنوات كان يعاني منها جميع مكونات الشعب السوري وبشكل كبير، حيث أصبحت الأسرة المكونة من 4 أفراد بحاجة كحد أدنى لما يقارب 300 ألف ليرة سورية كدخل شهري لتوفير أهم مستلزمات المعيشة والحياة.
في نفس الوقت لجأ الكثير من التجار إلى فتح حسابات في البنوك اللبنانية بالدولار الامريكي و الليرة اللبنانية من أجل إجراء العمليات التجارية وحفظ الأموال، وهو ما تم تفسيره استخدام لبنان بوابة لتنفيذ صفقات الاستيراد للسلع والمنتجات من دول العالم إلى لبنان ومن ثم دخولها لسوريا.
هذا الأمر الذي جعل الاقتصاد السوري يرتبط بلبنان من خلال الأرصدة البنكية للسوريين في المصارف اللبنانية، حيث قُدّر حجم ودائع القطاع الخاص السوري غير المقيم لدى المصارف التجارية اللبنانية بـ32.5 مليار دولار في بداية 2020 معظمها لمواطنين سوريين يستفيدون من الفوائد عليها وينفقونها، سواء في لبنان أو ينقلونها إلى سوريا ضمن مبدأ حرية تحويل الأموال المعمول به في لبنان.
تفاقم الأوضاع في سوريا
هذا الارتباط الكبير أدى إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية في سوريا، خاصة في ظل عمليات التهريب الكبيرة التي تتم للدولارات من لبنان إلى سوريا، وأيضًا عمليات تهريب ضخمة للسلع الغذائية والمواد البترولية أثرت على لبنان وجعلتها تدخل في أزمة مالية خانقة ما جعل الجيش اللبناني يغلق عدد من المعابر غير شرعية مع سوريا التي تستخدم في التهريب، وهو ما أدى إل تفاقم الأوضاع في البلاد وسط تضييق على سوق الصرف في سوريا.
وفي عام 2020 ومع دخول لبنان في أزمة اقتصادية بسبب عدم قدرتها على سداد بعض الديون والسندات المقترضة من الخارج، حاولت الحكومة اللبنانية وضع العديد من إجراءات التقشف والتي كانت أثر انطلاق احتجاجات في لبنان وتأثير كبير على الأوضاع أدى إلى تفاقم الأزمة على الاقتصاد السوري الذي أصبح يعتمد بشكل كبير على لبنان، وبالتالي انخفضت الفرص التجارية وارتفعت الأسعار مع منع تهريبها من وإلى البلدين.
انهيار الليرة اليوم أمام الدولار
مسلسل تدهور الأوضاع الاقتصادية في سوريا استمر أكثر مع فرض الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات اقتصادية على الحكومة السورية، بدأ من خلال فرض عقوبات على الشركات ورجال الأعمال الذين لديهم علاقات قوية بالحكومة، ووصل عدد رجال الأعمال لـ270 شخصًا و72 كيانًا، كما أنه تم تحذير التجار والدول التي حاولت المشاركة في معرض دمشق الدولي عام 2019.
ومع صدور قانون قيصر الأميركي الذي أدى إلى تضييق الخناق على الاقتصاد السوري بدأت الليرة اليوم في السقوط والانهيار أكثر، في ظل المخاوف على عدم قدرة الحكومة على تأمين العملة الصعبة وخفض قائمة المنتجات المستوردة، فوصل سعر الصرف في 2019 لـ950 ليرة مقابل الدولار، وارتفع بعد ذلك في بداية 2020 لـ1360، ومع تفاقم الأزمة في لبنان وتفشي فيروس كورونا المستجد وإجراءات الحجر الصحي لأغلب البلدان ليصل سعر الصرف إلى 2500 ليرة لكل دولار واحد.
وفي نهاية عام 2020 ومع استقرار الأوضاع الخاصة بفيروس كورونا حول العالم، وتحسن الحالة الأمنية في سوريا تراجع سعر الصرف قليلا حتى وصل لـ 2900 ليرة للدولار، وسط مخاوف من ارتفاعه مرة أخرى في 2021.
ارتفاع الأسعار وصعوبة الحياة المعيشية
كل العوامل السابقة أثرت على الحياة المعيشية في سوريا لترتفع معها نسبة الفقر بشكل كبير، حيث بلغ متوسط خط الفقر الكلي للأسرة الواحدة في الشهر من 280 لـ300 ألف ليرة سورية، فيما يعيش حوالي 71% من السكان في فقر شديد، كما أصبح ليس بمقدور الأشخاص القدرة على تلبية الاحتياجات الأساسية للبقاء على قيد الحياة.
وسجلت أسعار السلع والخدمات ارتفاعًا كبيرًا، وفقًا لما رصده برنامج الأغذية العالمي، فقد ارتفعت أسعار السلع الغذائية أكثر من 200 في المئة فيما بين 2011 و2020.
في حين سجلت أسعار الذهب والفضة في سوريا ارتفاعا كبيرا هي الأخرى وفقا لما رصده خبراء الاقتصاد، فقد ارتفعت أسعار الذهب في سوريا أكثر من 40 ضعفا في نفس الأعوام المذكورة.
هل تتغير الأوضاع في 2021؟
وفي عام 2021 ومع مرور أكثر من 10 سنوات على الأزمة الكبيرة التي تعيشها سوريا خلال الأعوام الماضية وتدهور الأوضاع الاقتصادية وانعدام الفرص التجارية بشكل كبير، يظل السؤال الذي يتردد في أذهان غالبية الشعب السوري: هل تتغير الأوضاع في 2021؟.. هل من الممكن أن يكون هذا العام بداية لتحسين الحياة المعيشية في سوريا، وبدء صفحة جديدة في كتاب غطّت صفحاتهُ ألوان الدماء والفقر والحاجة.